آراء ومقالات

هكذا تحقق حلم العرب في دوحة العرب

مونديال قطر سيبقى تاريخاً مشرقاً لإنجاز الحلم العربي

 حسن حاموش

لا أذكر منذ متى تنتظر الشعوب العربية إنجازات بحجم الأمة، ولا أذكر عدد الأجيال المتعاقبة التي توارثت طعم الهزائم ومرارة الخيبات السياسية والتنموية، ولا أذكر منذ متى أصبحت طموحات الإنسان العربي مجرد أمنيات بتخفيف المعاناة، لكني أذكر تاريخ ولادة حلم أكبر إنجاز عربي في هذا العصر وهو فوز قطر عام 2010 باستضافة مونديال 2022، متفوقة بذلك على المنافسين الكبار الذين حاصروا هذا الفوز بأحقادهم وحملات الشيطنة.

كان يمكن لهذا الفوز أن يتحول إلى خيبة يطويها النسيان كحال الكثير من المشاريع العربية، وكان يمكن أن تصاب العزيمة القطرية بالإحباط مع تنامي الحملات الشرسة وتواصلها بشكل تصاعدي على مدى 12 عاماً وتتراجع عن استضافة المونديال.

كانت الحملات تطغى على تفكيرنا وأفكارنا خلال متابعتنا الإعلامية لمسيرة المونديال خطوة بخطوة على مدى 12 عاماً حتى دخل الشك على نفوس بعض الزملاء وأصبح احتمال سحب الاستضافة هاجساً في ظل حملة لم يعرف تاريخ الكرة مثيلاً لها، فالإعلام الغربي كان يقابل ما تنجزه قطر من مشاريع مونديالية بمزيد من التشهير والتشويه حتى ذهب البعض للحديث عن العواصم البديلة المرشحة لاستضافة المونديال.

لكن قطر اختارت الطريق الصعب طريق التحدي لتحقيق إنجاز عالمي بنكهة عربية، مستندة بذلك إلى معادلة فريدة وهي صلابة الإرادة وحسن الإدارة في التعامل مع شروط الاستضافة للمونديال وتنفيذ مشاريع عملاقة ورائدة في البنى التحتية والعمرانية والصحية والخدمية والسياحية، فضلاً عن المنشآت الرياضية المبهرة والمميزة لتجعل من نسخة المونديال في قطر أفضل نسخة في تاريخ المونديال على الإطلاق.

لقد جعلت قطر من المونديال فرصة لتحقيق نهضة شاملة وغير مسبوقة في جميع المجالات، حيث تطالعك دولة حديثة بأفضل وأرقى مواصفات العصر التي لا تتوافر في كثير من الدول التي استضافت دورات سابقة من المونديال.

نجحت قطر وأخفق المراهنون على فشلها، أدارت ملف المونديال بطريقة احترافية ستتحول لاحقاً إلى دراسات وأبحاث ورسائل ماجستير ودكتوراه ولكل الباحثين في إدارة الملفات الكبرى، وتمكنت من تفنيد الاتهامات والادعاءات التي أثيرت بأسلوب على قدر عال من الاحترافية، حيث كان ردها العمل الجاد والدؤوب وإنجاز المشاريع على أفضل وجه. واستطاعت بجدارة تحقيق إنجاز العصر، والإنجاز ليس النجاح باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم بل بتقديم نسخة تاريخية مبهرة وعلامة فارقة تعجز أوروبا نفسها على الإتيان بمثلها.

إن نجاح قطر في خوض التحدي يمنح الشعوب العربية جرعة أمل وثقة بالمستقبل ودرساً مهماً، وهو أن المستحيل يصبح حقيقة بعزيمة تقوم على صلابة الإرادة وحسن الإدارة.

ورب قائل ما الذي يجعل من استضافة المونديال أبرز إنجاز عربي في هذا العصر وحلماً عربياً راودنا منذ طفولتنا؟

عندما نستعرض الدول التي استضافت المونديال نجد معظمها في أوروبا ولم يسبق لدولة عربية أو إسلامية استضافة مثل هذا الحدث الكروي العالمي، وأذكر عندما كنت أتابع مع زملاء إعلاميين ومثقفين عرب تصفيات كأس العالم في تسعينيات القرن الماضي سأل أحد الزملاء هل سيأتي اليوم الذي سنشاهد فيه المونديال في عاصمة عربية ؟ احدهم قال: “حلم صعب المنال”. ورد آخر: “ليس في زماننا ربما في زمان أحفادنا”. فيما رد ثالث: “دعونا نحلم فليس في الحلم خطأ “. وربما هذا التساؤل تبادر إلى أذهان جمهور الكرة على امتداد الوطن العربي، لأن هذا الحلم يتطلب التنمية والاستقرار والازدهار والكثير من الشروط التي يصعب توفرها، فالغرب يعتبر أن هذه البطولة التي تستقطب جماهير العالم من كل القارات وتدخل عبر الفضائيات إلى كل البيوت هي ملكية خاصة لا يحق للآخرين امتلاكها واكتشاف أسرارها والتأثير في الرأي العام العالمي من خلالها، فكيف يمكن السماح لدولة خليجية عربية مسلمة وشرق أوسطية أن تنتزع هذه الملكية وتستضيف أنجح بطولة في تاريخ المونديال؟

لقد انتزعت قطر هذا الإنجاز الكبير من عرين الأسود لتقدمه لكل العرب كما قال سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: “باسم كل العرب نرحب بالعالم في مونديال قطر”.

في مونديال قطر لم يعد العرب مجرد مشاهدين ومشجعين بل أصبحوا لأول مرة مستضيفين ومشاركين ومؤثرين في أكبر جمهور عالمي يقاس من خلاله الرأي العام. وأصبحت المصطلحات العربية متداولة بكل لغات العالم وعلى ألسنة ملايين الجماهير المونديالية، وسوف تسجل محركات البحث أرقاماً قياسية قد تصل إلى مليارات المرات في استخدام المصطلحات العربية والبحث عن تاريخ المنطقة العربية وعادتها وتقاليدها.

لقد أتاحت قطر الفرصة التاريخية لكي يرى العالم بأسره الوجه العربي المشرق عن قرب وعن كثب لا كما تنقله وسائل الإعلام الغربي وفقاً لأجندتها ورؤيتها، والتي غالباً ما تظهر الوجه العربي بطريقة مشوهة.

مونديال قطر2022 سيبقى تاريخاً مشرقاً لإنجاز الحلم العربي وتدشين عصر تحقيق الأحلام العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى