إنجلترا

الربان أرتيتا .. أين سيصل بسفينة أرسنال ؟

الدوحة : حسام عبد الكريم

بعد الفترة التحضيرية المميزة التي خاضها المدفعجية هذا الصيف، يتوقع الكثير من جماهير كرة القدم ومشجعو أرسنال بشكل خاص موسما مميزا للنادي اللندني، كما أن التوقعات تكبرُ كلما تذكرت الجماهير الانتدابات التي أبرمها الفريق خلال نافذة الانتقالات الجارية. ولكن هل هذه الملامح فقط كافية ليرفع المشجعون سقف توقعاتهم عاليًا الموسم المقبل؟

الإحلال والإبدال معادلة النجاح


منذ جلوس أرتيتا على مقعد المدير الفني للفريق في ديسمبر 2019 وتشهد نافذة الانتقالات الصيفية سنويا نشاطا كبيرا، وتشير التقارير إلى أن أرسنال منذ قدوم أرتيتا وحتى تاريخ كتابة هذه الأسطر يتربع على عرش الأندية الأكثر إنفاقا في إنجلترا، إذ بلغ إجمالي الصرف 278.3 مليون باوند. ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع نهاية سوق الانتقالات الحالية مع تأكيد أرتيتا بأن عملهم في السوق لم يكتمل بعد.
خلال نفس هذه الفترة، تخلص الفريق من عدد من اللاعبين على رأسهم مسعود أوزيل، إيميريك أوباميانغ وألكساندر لاكازيت وذلك في سبيل إفساح الطريق للأسماء القادرة على العطاء وإعلاء القيمة التنافسية، لا سيما تلك التي تتماشى مع النهج الذي يطمح أرتيتا لتطبيقه، ومن المتوقع أن تستمر هجرة نجوم الصف الثاني للفريق ليتخطى عدد المغادرين بنهاية نافذة الانتقالات الجارية 15 لاعبًا في ثلاث سنوات.
ومع التأكيد بأن عملية التخلص من اللاعبين وبيعهم لا تسير بشكل مميز، وخصوصا فيما يلي الجانب المالي إلا أن المدير الرياضي إيدو يرى أنه حتى وإن تطلب الأمر الدفع لبعض اللاعبين للمغادرة فإن هذا سيصب في مصلحة سير المشروع المستهدف لبناء الفريق القادر على المنافسة والمتوازن من حيث الأجور، وفي الحقيقة هي نظرة اقتصادية صحيحة لا سيما وأن بعض اللاعبين يتقاضون أجورًا عالية دون أن يتماثل ذلك مع أدائهم داخل أرضية الملعب.
سياسة الإحلال والإبدال تفتح الطريق أمام أرتيتا لاختيار نوعية اللاعبين الذين يستهدفهم المشروع، كما أنها تنعش خزينة النادي وتقلل من منصرفات الفريق وهو ما يحقق التوازن المالي المطلوب. لذلك لن يكون مستغربا دخول الفريق في صفقات مالية بمبالغ كبيرة، وفي الوقت ذاته لن يتجاوز متوسط رواتب اللاعبين سقف الأجور المسموح به مع ترك مساحة للتحفيز.

إحياء مبدأ التنافس بين اللاعبين


ما يحدث في الغرف المغلقة من مفاوضات حول استجلاب أو بيع اللاعبين ينعكس مباشرة على أجواء غرف الملابس، الأمر الذي يخلق حالةً من الاستقرار ويبني علاقة ود جديدة بين اللاعبين. هذه اللُحمة والروح الإيجابية تظهر في تدريبات الفريق وفي المباريات، فيتحسن الأداء وينشد الجميع النتائج الإيجابية، بل أن رغبة ودوافع اللاعبين في المشاركة تعلو، وهذه هي القيمة الحقيقية.
إحياء مبدأ المنافسة أمرٌ مهم للفرق التي تطمح في أن يكون لها شأن، وبما أن أرسنال ينشد التطور والعودة للطريق الصحيح فإن هذا الهدف يتحقق بالالتزام الجماعي والعقلية الانتصارية والروح التنافسية. ولعل معدل أعمار الفريق الصغير نسبيًا -الأقل بين أندية البريمييرليج الموسم الماضي- يعتبر عنصرًا مهما لتحقيق هذا المبدأ.
وبالنظر إلى طبيعة انتدابات الفريق في آخر سنتين، يتبدى لك أن أرتيتا يبحث عن نوعية لاعبين بخصائص مختلفة كالقدرة على شغل أكثر من مركز، والقدرة على الاندماج مع أفكار كرة القدم الحديثة، لكن العامل الأهم هو استمراره في استجلاب لاعبين بمعدلات أعمار صغيرة لا تتجاوز 25 عامًا كحد أقصى، ما يحافظ على قيمة التنافس المنشودة.

إعادة بناء الثقة وسط الجماهير


منذ الأعوام الأخيرة لأرسين فينغر بدأت جماهير النادي اللندني تدخل في حالة من الشقاق مع المدرب الفرنسي، لدرجة أنها باتت تطالب صراحة بخروجه من الفريق بشتى الوسائل المشروعة. منذ تلك اللحظة وعلاقة الجماهير بالنادي ممثلا في الإدارة والملاك بدأت تتصدع، لعدم ثقتها في أن إدارة النادي تسعى لتحقيق النجاحات الرياضية بقدر توقها لجني المكاسب المالية وتحقيق الأرباح المالية.
هذه الحالة من الإنكار جعلت الجماهير تصبُ جام غضبها على المدربين أحيانًا، وكان أوناي إيمري ضحية للغضب الجماهيري وأقيل تحت مطية تدهور النتائج. ومع قدوم أرتيتا عادت الجماهير لتوفر لقائد المدفعجية السابق دعمًا حذرًا بعد فوزه بلقب كأس الاتحاد بعد ستة أشهر من تعيينه وأتبعه بكأس الدرع الخيرية في افتتاح موسمه التالي.
أرتيتا تحمل بعد ذلك عبئاً كبيرًا، خصوصا مع الاضطراب الذي باتت تشهده غرفة الملابس واصطدامه مع أبرز نجوم الفريق، لكن الحسم في قراراته وجرأته على ترتيب البيت من الداخل آتت أكلها شيئًا فشيئًا وتحسنت النتائج تدريجيًا لينال دعم الإدارة كاملًا، بل أنه ورفقة المدير الرياضي إيدو تعاونا على خطة بناء بملامح واضحة جعلت جزءًا من الجماهير تستشرف معهما مستقبلًا واعدًا، ليحظى بعد ذلك بالتفاف جماهيري كبير وهو يدخل موسم الثالث والثاني منذ البداية.
هذه الثقة التي حظى بها أرتيتا من الإدارة والجماهير كانت مكافأةً لما حققه الموسم الماضي، إذ كان قريبًا من إعادة الفريق لدوري الأبطال لولا الإصابات التي ضربت فريقه المنقوص عددًا من الأساس. كما أن رهانه على قوة شخصيته وحسم كل ملامح الفوضى داخل الفريق جعلت منه شخصية مؤثرة وتستحق الثقة، وكم كان كبيرًا العمل الذي قام به فيما يلي إعادة ضبط سلوك اللاعبين والفريق.

مواسم جني الثمار قريبة وربما أقرب


العمل الذي قام به أرتيتا على مدار سنتين ونصف، استحق عليه مكافأة تجديد عقده مع الفريق ليكمل مشروعه الذي بات قريبا من بلوغ أهدافه. وبالنظر لما وصل له الفريق من نضج وتنوع وجودة يبدو الطريق أقرب من أي وقت مضى للانتقال للخطوة القادمة ومحاولة المنافسة للفوز بإحدى هذا الموسم، والوصول لمستويات تنافسية أعلى كاللعب في دوري الأبطال ومن ثم التفكير في البريمييرليج كهدف مستقبلي لهذه المجموعة من اللاعبين.
قائمة الفريق الحالي تحوي عددا من المواهب الشابة التي أظهرت قدرات مميزة في الموسم الماضي، كما أن إضافة عنصري خبرة مثل غابرييل جيسوس وألكسندر زينشنكو بعقليتهما الانتصارية يرفع من توقعات الفريق ويحسّن شخصية الفوز لدى اللاعبين الشبان، كما أن الثنائي بتجربتهما الكبيرة في البريمييرليغ وفوزهما باللقب أكثر من مرة سيضيفان قيمة جديدة للفريق فيما يلي التعامل مع المباريات الكبيرة في البطولة، وهو ما شاهدناه في افتتاح المسابقة أمام كريستال بالاس.
ومع تأكيد أرتيتا بأنهم لا يزالون يبحثون عن المزيد من التدعيمات، من المتوقع أن ترتفع جودة الفريق. وفي حال تمت إضافة لاعبين بخبرة أكبر فإن ذلك قد يساعد في قطف الثمار وتحقيق النجاحات في وقت قريب.

ملامح النادي اللندني بدأت تتشكل، ومنحنى صعود الفريق من حيث الأداء بات أمرًا متوقعًا، بل ومنتظرًا. تحسُّن أسلوب اللعب وتطور الأسامي الشابة ومساهمتها المباشرة في تحقيق النتائج الإيجابية كلها عوامل تتوق لها الجماهير خلال الموسم، ويبقى الرهان الحقيقي .. هل سيبرهن أرتيتا بأنه رجل المرحلة والقادر على الرسو بسفينة المدفعجية لبر الأمان ؟ أم أنه سيترجلُ بعد أن جدّف حتى منتصف الطريق ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى