إنجلترا

المدفعجية.. صلابة ذهنية وقوة شخصية

حسام عبد الكريم

المبادرة جاءت مبكرًا من قبل أصحاب الأرض، وفي أول تدرج بالكرة نجح أرسنال في الوصول لشباك أليسون. ساكا كالعادة يوسع الملعب طلبًا للكرة، وعند وصولها لقدميه يميل فريق ليفربول بكتلته الدفاعية خطوة لليسار، هنا يتوجب على مارتينلي أن يبقى بالقرب من الخط الجانبي الآخر. بالنسبة لساكا القرار إما بالاختراق ومراوغة إذا ما كانت الفرصة مواتية، أو الدخول للعمق ومحاولة التواصل مع زملائه لإيجاد الثغرة، وهو ما كان.
في السابق كان يتم تدوير الكرة من الخارج إلى الداخل أو العكس باستمرار، ولكن في النسخة الحالية من أرسنال لم تعد مسألة إيجاد المساحة في دفاع المنافس بتلك الصعوبة، لأن تشاكا يصعد لمناطق متقدمة، وجيسوس يفرّغ المساحة باستدراج أحد المدافعين، ويأتي صعود مارتينلي الذي متزامنا مع هذه الوضعيات فيقرر ما إذا كان سيقطع من الخارج للداخل باحثا عن المساحة خلف الظهير، أو من خلال أنصاف المساحات في حال نجح جيسوس في إفراغ تلك المساحة.

قمة أرسنال وليفربول كانت مليئة بالأهداف، وبالإثارة لأن العمل فيها كان كبيرًا من قبل المدربَين، أرتيتا راهن على قوامه الأساسي باستثناء دفعه بتومياسو في دور واضح للجميع: منع صلاح من تشكيل الخطورة، فكان الياباني ظلًا لصلاح ونجح في تحجيم خطورته طوال دقائق اللعب التي أمضاها المصري داخل أرضية الملعب. بينما كرر كلوب فكرة مباراته الأخيرة أمام رينجرز ودخل المباراة برسم أقرب لل 4-4-2 أملًا في تحقيق التوازن المفقود هذا الموسم.

في لقطة الهدف الأول، حقق الفريق أفضلية نوعية/تموضعية حينما وصلت الكرة لأوديغارد، وبالنظر للصورة رقم 1 يتضح أن لأوديغارد أكثر من خيار تمرير، ومع إصرار تشاكا على التقدم خطوتين للأمام من خلال العمق تم تخيُّل اللعبة في عقل أوديغارد+تشاكا+مارتينلي، ليستغل الأخير المساحة خلف أرنولد ويواجه أليسون في وضعية مثالية للتسجيل. هذه اللعبة أصبحت نمطا محفوظا فمتى ما وصلت الكرة لساكا على الخط الجانبي يفكر الثلاثي فيها وتكررت في هذه المباراة أكثر من مرة كما في الصورة رقم 2.

قابل العمل الهجومي المميز أداء دفاعي لم يكن مقبولًا، إذ تسببت الأخطاء الفردية في استقبال الفريق لهدفين، وتم ضرب خط الدفاع بسهولة. في الهدف الأول اشترك غابرييل وساليبا في الخطأ، حيث أخطأ البرازيلي في توقع الكرة الطولية التي سقطت خلفه على الرغم من وقوع نونيز في التسلل حينها، قبل أن يقطع دياز الطريق من أمام ساليبا ويخطف الكرة.
في مثل هذه الوضعيات، يحافظ قلبا الدفاع على حالة تواصل بينهما تتيح للمدافع المتأخر أن يتحرك قطريا لتغطية المساحة خلف قلب الدفاع الذي يشترك في المواجهة إذا ما سقطت الكرة خلفه. في الصورة رقم 3 يظهر ساليبا الذي كان يتابع سقوط الكرة خلف غابرييل، لكنه لم يأخذ خطوة للأمام ليستبق وصول دياز، فوصل الأخير قبله ليصبح قرار التدخل عندها مكلفًا إذا نتج عنه احتكاك، لذلك اكتفى ساليبا بالمراقبة بدلا من الالتحام. كل هذا تسبب فيه القرار الأولي بعدم الاستباق.
هدف ليفربول الثاني تكرر فيه الخطأ، على الرغم من المسؤولية المشتركة لأكثر من لاعب. ساليبا وغابرييل يقفان على خط أفقي واحد ويراقبان الكرة مع احتفاظ كليهما بمرجعية المهاجم المنافس، ومع استلام جوتا للكرة قرر ساليبا أن يقطع مسار التمريرة إذا ما قرر جوتا رميها لفيرمينو، لكن البرتغالي -عند اللحظة التي قرر فيها ساليبا التقدم- فضل تمريرها خلف ظهر المدافع الفرنسي ليفقد ساليبا التمركز بقرار متسرّع، ويواجه فيرمينو الحارس في حالة أشبه بالانفراد كما في الصورة رقم 4.
ثنائي قلب الدفاع يجب أن يتبادل أدوار الرقابة والتغطية والمواجهة والقطع، وما يعاب على الثنائي أنهما بطيئان نسبيًا، كما أن قرارات المواجهة عند كليهما تكون مكلفة، لذلك قد تحتاج هذه الشراكة لوقت أطول لتثمر صلابةً دفاعية وتتوزع فيها الأدوار وفقًا لخصائص الثنائي، مع رفع جودتهما في بعض القرارات.

فاعلية أرسنال الهجومية كانت واضحة، وتنوعت بين الارتداد الهجومي مثالي كما في الهدف الثاني، أو عبر اللعب بناء الهجمات المنظمة الذي ينتج عن التقدم المستمر لتشاكا، والذ يساهم في صنع تفوق عددي بالقرب أو داخل منطقة جزاء ليفربول، ولنقرأ هذه الفاعلية نجد أن لاعبي أرسنال قد لمسوا الكرة داخل منطقة جزاء ليفربول 41 مرة حسب الموقع الإحصائي fBref. وفيما يلي الضغط، تحرّك الفريق ما بين الضغط المتقدم والمتوسط وفق الاستراتيجية المتبعة مرحليًا، أعقب ذلك انتشارٌ مميز للاعبين عند الحيازة متفوقين بذلك على ليفربول في مراحل اللعب المختلفة معظم دقائق المباراة وخصوصًا بالشوط الثاني.

اختبار صلابة الفريق الذهنية وقدرته على مقاومة فريق ليفربول كان أهم مكاسب الفريق في أمسية ملعب الإمارات، فقد كان السجال واضحًا كلما تقدم الفريق وعاد الريدز في النتيجة، فضلًا عن الثبات الذي أدار به اللاعبون الدقائق الأخيرة من المباراة وحافظوا على التقدم بفارق هدف. هذا الفوز أعاد المدفعجية للصدارة وأكد على أن شخصية الفريق التنافسية قد اختلفت عما كانت عليه في المواسم السابقة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى