اسبانيا

تشافي يوقظ برشلونة من تحت الرماد

حسام عبد الكريم-

مسرح كامب نو، الثامن من مارس لعام ألفين وسبعة عشر، ذاكرة الريمونتادا التاريخية أمام باريس سانت جيرمان، كانت تلك إحدى أكثر اللحظات خصوصية لجماهير برشلونة حيث ارتفع فيها منسوب الحماس لأقصى درجاته، وتدفّق الأدرينالين كما تنساب مياه شلالات لاس دوس بإقليم كاتلونيا.

تشافي .. ألق جديد

خمسة أعوام بعد ذلك، تختلط المشاعر بشدة ، وتستعيد ذاكرة الكتلونيين شيئًا من ذلك الإحساس، وربما أكثر فهنا عقرب الحماس يشير باتجاه الند التاريخي، ريال مدريد، وجغرافيا الغزو اتخذت من ملعب البيرنابيو حدودًا، ودُكّت شباك كورتوا أربع مرّات دون أن يقترب الخطر من حصن شتيغن المنيع.

ما بين المباراتين، عاشت برشلونة سنوات من الاضطراب على كافة الأصعدة، تناوب على قيادة السفينة أكثر من مدرب لكن الأمواج المتعاقبة كانت تعصف بأحلام الكتلونيين في الرسو ببر الأمان، وكانت تختبر قدرة ربّان السفينة على المناورة وركوب الأمواج، ولم يُفلح أحدهم في الصمود أمامها.

اوباميانغ.. مرحلة مابعد ارسنال

لويس إنريكي، بطل الريمونتادا وأفضل من خلف بيب غوارديولا، كان آخر القادة اللذين قدموا شيئًا من كرة قدم برشلونة بإرثها التاريخي وملامحها الجاذبة، فضلًا عن كونه آخر المتوجين بالألقاب القارية. ولم ينجح من بعده فالفيردي، كيكي سيتين ولا كومان في إعادة بناء جسر الفرجة وسط الجماهير، كما أن االخيبات باتت تتكرر مع تتالي السنوات، فلم تأتِ الألقاب ولم يبقَ عِطر لاماسيا منتشرًا في الأرجاء.

توازيًا مع هذا التراجع الفني، كانت الإدارة الرياضية بالنادي تتوارى من الخلف، تُطّلُّ برأسها خارجّا بحثًا عن المكاسب المالية، ثم تنسحب مع كل إخفاق رياضي، فخسر الفريق على الصعيد الجماهيري والتجاري واختل ميزان الصرف والمداخيل، واحتاجت الإدارة لتدخّل جراحي كي تفيق من غيبوبتها فكان العلاج مكلّفًا للغاية، وميسي خارج أسوار كامب نو!

رباعية تاريخية في البرنابيو

ظن الجميع بعد ذلك أن سيرة برشلونة قد تتلاشى عن الوجود، ويخسر الفريق وجوده كأحد أهم مرجعيات كرة القدم في الألفية الحالية، بعد نهضةٍ كانت هي الأفضل في أوروبا. لكن الحقيقة أن إرث النادي الكتلوني يبقى أساسًا لا يستهان به، وترياقًا يُنعِش جسد الفريق كلما أنهكته السنوات وخارت قواه بسبب خيبات الأمل المتلازمة.

استنساخ تجربة بيب غوارديولا قد تبدو أمرًا أشبه بالمستحيل، لكن الموارد المتاحة بالنادي تبعث بالأمل، فلم لا نجرِّب؟! كان هذا تساؤلًا مطروحًا لسنوات داخل أسوار البلوغرانا، وكانت الإدارات تتحيّن الظروف الملائمة لاستدعائه، وليس هنالك توقيت أفضل من هذا، بعد كل هذه التجارب غير الناجحة التي تعاقبت.

عهد كاتلوني جديد

تشافي هيرنانديز، بعد تجربة السد القطري، كان جاهزا لخوض التحدي، وأكاديمية لا ماسيا مستمرة في عملية تفريخ المواهب، وخوان لابورتا جالس على رأس الهرم بالنادي، وفي نوفمبر من العام الماضي بدأ اختبار عملية المزاوجة، والمنتج مبشّر للغاية.

في طريقه لإعادة توجيه الفريق نحو بر الأمان، قابل برشلونة تشافي منافسين متباينين، وعلى الرغم من خسارته الكلاسيكو الأول بملعب الكامب نو، إلا أنه عاد واجتاح ريال مدريد في معقله بالسانتياغو بيرنابيو بعد أن أمسك بمقود السفينة بإحكام. مباراة تطاول فيها برشلونة ليبلغ أقصى درجات التميز وأحدث نوبة غضب كبيرة في العاصمة مدريد، ليستشعر الجميع قيمة الفريق الجديدة، ويبدأ غالبية المراقبين في استشراف مستقبل مزدهر لتشافي، قد يجاوز ما حققه كلاعب تحت إمرة عرّابه بيب غوارديولا.

الفرق التي تملك إرثًا كرويًا كبرشلونة، يجب ألا تقلق فمتى ما توفرت الظروف الملائمة للصحوة، سيصحو هذا المارد لأنه يرقدُ على فلسفة ممتدة، والثورة الكروية عنده متجددة، مثل الفكرة، والفكرة لا تموت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى