آراء ومقالات

هالاند وغوارديولا .. الخيل “تجقلب” والشكر ل”حمّاد” !!

حسام عبد الكريم

عند أهل السودان، وهم من أكثر الشعوب حرصًا على حفظ ورد الجميل، يتردد المثل “الخيل تجقلب والشكر لحمّاد”، والذي يسخر في مضمونه من أولئك الذين يقفزون على صاحب العطاء ويشكرون ذلك الذي يقوم بتوزيعه بالإنابة، في محاولة لحفظ التقدير والامتنان للشخص الأحقّ بدلًا عن إعطاء الثناء لمن هو أقل استحقاقًا. من هذا الموروث السوداني يمكننا القفز إلى ملاعب كرة القدم، لنتمثل معًا صدق هذا المثل الشعبي.

// الأرقام لا تصمد أمامه //
في الأيام القليلة الماضية، أقام هالاند الدنيا ولم يقعدها، وتحديدًا بعد أدائه المميز في ديربي مدينة مانشستر والذي سجل فيه ثلاثية تاريخية وساهم في هدفين آخرين من أصل ستة أهداف اقتسمها مع زميله فيل فودين، ليخرج فريقه فائزا بنتيجة 6\3 على اليونايتد ضمن مباريات الجولة التاسعة من بطولة البريمييرليغ، وأردفه بهدفٍ آخر ضد ساوثهامبتون في الجولة الماضية ليصل المهاجم النرويجي للهدف رقم 15 في بطولة الدوري بعد تسع مبارياتٍ خاضها بقميص السيتي.
أرقام هالاند التهديفية تعبّر بشكل صريح عن مدى خطورة المهاجم النرويجي، حيث احتاج هالاند لثمانِ مباريات فقط ليصل للهاتريك الثالث مع السيتي في مسابقة الدوري، ليصبح أسرع لاعب يصل لهذا الرقم ويغرد بعيدا عن سرب المهاجمين الذي حققوا هذا الرقم بعد عناء كبير وأقربهم مايكل أوين الذي كلفه الوصول للهاتريك الثالث 48 مباراة! كما أنه بات اللاعب الأوحد الذي يسجل الهاتريك في ثلاث مباريات متتالية على أرضية ملعب فريقه. فضلا عن أن إجمالي أهدافه المسجلة بلغ 20 هدفًا من أصل 12 مباراة بدأها أساسيًا هذا الموسم في مختلف المسابقات، وهو رقمٌ لا يصدّق.

// ميسي لا يقارن بهالاند //
في رده على سؤال هل هالاند هو ميسي الجديد؟ نفى غوارديولا أوجه الشبه بين اللاعبين، معللًا ذلك بأن ميسي لا يقارن مع أي لاعب آخر، كما أكد بأن ما يقوم به هالاند هو شيء مميز. وبرر غوارديولا حجته بأن ميسي كان يقوم بكل شيء لوحده دون الحاجة للآخرين، وهو الأمر الذي لا يتوفر بالنسبة لإيرلينغ هالاند، فهو يحتاج لزملائه في الفريق لمساعدته في وضع الكرة في المرمى.
من هنا يجب التأكيد على أن نظام لعب غوارديولا هو ما يتيح للمهاجم النرويجي هذا الإزدهار، فاللاعبون الذين يطلبهم غوارديولا يمكن تصنيفهم بأنهم تقنيون بارعون، يفهمون اللعبة كما ينبغي، بل أنهم يتلبّسون عقله داخل الملعب، ومعهم يستحيل الملعب لرقعة شطرنج تخضع لحسابات الفعل وردة الفعل، كما أن التوقع واستباق حركة المنافس يظل مُدخلًا مرنًا في لا وعيهم.
هذه البيئة توفر لهالاند كل معينات الانفجار، لا سيما وأن المهام التي يتم إيكالها للمهاجم النرويجي لا تقفز في جوهرها على فكرة تسجيل الأهداف، بمعنى أن نطاق حركة اللاعب محكوم بمساحة تمتد من صندوق المنافسين وصولا لدائرة المنتصف، ما يعني أن اللاعب يجب أن يكون منشغلًا بفكرة التواجد في مناطق تساعده ليكون مباشرًا تجاه المرمى ولترفع أكثر من نسبة تحويله للفرص. وباسترجاع الخارطة الحرارية للأماكن التي يتحرك فيها هالاند يتضحُ لنا فعليًا توظيف اللاعب في نظام بيب غوارديولا لهذا الغرض.

// كيف تستوعب وحشًا تهديفيا //
في السابق لم تكن أندية بيب غوارديولا تعاني مشاكل في الشق الهجومي، ومسألة تسجيل الأهداف كانت آخر ما يؤرق اللاعبين والجماهير، ولكن مع هذه النسخة المرعبة من هالاند قفز الجميع مباشرة على النظام الكلي، ليبدأوا في كيل المديح لإيرلينغ هالاند. وبرغم استحقاقه للمدح، إلا أن الثناء الأكبر يجب أن يذهب لغوارديولا الذي استطاع فعلًا أن يوفر لمهاجمه الجديد فرصة الإنفجار العظيم التي نعايشها الآن. ففي البداية حاول البعض توصيف هذه الشراكة بالفاشلة، باعتبار أن غوارديولا لن يغير أسلوبه ليتواءم مع هالاند، معللين ذلك بأن هالاند مهاجم صندوق ويحتاج لتسخير مجهودات الفريق من أجل خدمة خصائصه الهجومية في الإنهاء، وهو ما لم يتوقعه الكثيرون. البعض الآخر قدح في إمكانية أن ينسجم هالاند مع فريق ديناميكي كالسيتي، باعتبار أن النرويجي غير جيد في تقديم أدوار الربط المطلوبة في منظومة هجوم بيب ولا يشترك في مراحل اللعب التي تسبق الإنهاء. وغيرها من الانتقادات المبكرة التي لم تكن ترى جدوى هذه المزاوجة بين السيتي وهالاند. ودون أن يعير بيب أي انتباه لهذه الآراء أعدّ نظامًا يساعد هالاند على التسجيل، دون أن يتأثر تدفّق وانسيابية الكرة المعتادة، كما أن براعة تقنيات بعض اللاعبين ساعدت مهاجمه في بناء جسور تواصل مباشرة معهم، وفي فترة وجيزة.

هذه النسخة المتطورة من هالاند، والتي غالطت توقعات الكثيرين، استحوذت على قدر كبير من الاهتمام والمدح، لدرجة أن الحديث عن صانعِ أرقام جديد لم تبرح أن تتصدر عناوين المواقع الرياضية والصحف العالمية، ولكن الحق أن الفضل أولا وأخيرًا في وصول هالاند لهذه الدرجة من الحسم تعود للأصلع الواقف على خط الملعب، بحركته المستمرة وطلاسمه التي تعبّر عنها إشاراته باليدين وكأنما لا تكفي الكلمات لتمثيل عقله التكتيكي المتحرّك دائمًا للأمام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى